سمو المحاماة ورفعتها

يولد المحامي محامياً
أما القاضي فتصنعه الأيام إن وظيفة المحامي تتطلب من العبقرية والخيال أكثر مما تطلبه وظيفة القاضي إذ لاشك أن التوفيق إلى استنباط الحجج القوية المؤثرة في الدعوى أصعب فنياً من مجرد اختيار الحجج المناسبة المقدمة من الطرفين لتأسيس الحكم عليها .
من كتاب(قضاة و محامون) نقيب محامي روما "بييرو كالمندري"
آخر الأخبار

2011-11-27

حكم المحكمة العليا الأمريكية بشأن محاكمة معتقلي جوانتانمو


القضية 5 184 مداولة 28 مارس 2006
حكم جلسة 29 يونيو 2006
حمدان ضد رامسيفيلد
صدر حكم المحكمة العليا الأمريكية المعروض؛ فاصلاً في صحة إجراءات احتجاز حكومة الولايات المتحدة الأمريكية للأجانب المقبوض عليهم أثناء حربها ضد منظمة القاعدة في أفغانستان في سجن تابع لها في خليج جوانتانمو، وصحة إجراءات محاكمتهم عن جرائم تنسب إليهم، ويقدمون من اجلها إلى مجالس عسكرية خاصة تتولى محاكمتهم وفق أحكام إجرائية استثنائية.ولقد كانت مسألة احتجاز الأجانب في سجن جوانتانمو، واخضاعهم لنظم محاكمة تختلف عن نظم المحاكمة المعمول بها في الولايات المتحدة، على نحو ينتهك الضمانات القانونية التي تقررها الأمم المتحدة أمر كان موضع نقد شديد في الولايات المتحدة وخارجها. وإذا كانت الولايات المتحدة من الدول التي تتمتع بنفوذ كبير في الحياة السياسية؛ يحول دون تحريك المسئولية الدولية في مواجهتها، فقد حبس المهتمون بحقوق الإنسان أنفاسهم؛ انتظاراً لتدخل المؤسسات السياسية والقضائية الأمريكية لتصحيح هذا الوضع، وهو ما تحقق بالحكم المعروض.وتدور أحداث الدعوى المعروضة حول تظلمين أقامهما أحد المحتجزين بسجن جوانتانمو من المنتمين إلى منظمة القاعدة وهو السيد/ سالم أحمد حمدان (يشار إليه فيما بعد "حمدان") – يمني الجنسية – وكان يعمل سائقاً وحارساً لدى أسامة بن لادن رئيس تنظيم القاعدة، ولم ينسب إلى حمدان أي تهمة تتعلق بالتخطيط أو تنفيذ الأعمال الإرهابية التي ارتكبت ضد الولايات المتحدة، وإنما أسند له الانضمام إلى هذه المنظمة، وتلقي تدريبات استعمال الأسلحة الشخصية الخاصة بالحراسة، وكذلك الإشراف على نقل أسلحة القاعدة من مكان إلى آخر في أفغانستان – وبديهي أن هذه الأسلحة لا شأن لها بتنفيذ الأعمال الإرهابية ضد الولايات المتحدة – وأخيراً العمل كسائق لدى أسامة بن لادن ونقله من مكان لآخر أثناء المؤتمرات التي عقدها، وحض فيها على كراهية الولايات المتحدة الأمريكية، والخلاصة أن "حمدان" لم يرتكب جريمة مباشرة ضد الولايات المتحدة، وإنما انضم إلى تنظيم يعمل ضد الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يطلق عليه في الفقه الأنجلو أمريكي جريمة التآمر. وتشبه جريمة التآمر هذه ما نص عليه المشرع المصري في المادة 86 مكرراً من قانون العقوبات – الفقرة الثانية والتي تعاقب على مجرد الانضمام إلى إحدى الجمعيات أو الهيئات أو المنظمات أو الجماعات أو العصابات التي تباشر أعمال الإرهاب مع علمه بأغراضها، أي أنها جريمة تقوم بمجرد الانضمام إلى المنظمة الإرهابية مع العلم بانحرافها ولو لم يرتكب الجاني أي فعل إرهابي بشخصه.والملاحظ كذلك أن التهمة المنسوبة إلى حمدان تمتد اعتباراً من سنة 1996 وحتى 2001، أي أن جل أعمال التآمر وقعت قبل بدء الحرب من القاعدة على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، وهذا الأمر الذي جعل التهمة المنسوبة إليه كجريمة حرب قد وقعت أساساً قبل أن تبدأ هذه الحرب، وهو ما كان موضع تعليق في أسباب هذا الحكم.ولقد تصدى الحكم إلى عدة أمور جوهرية في هذا الصدد، نجملها فيما يلي:
أولاً : الحق في التظلم في أحكام المجلس العسكري أمام المحكمة العليا:-
حق حمدان في التظلم إلى المحكمة العليا من امر اعتقاله وتقديمه إلى المحاكمة أمام المجلس العسكري الذي أنشأه رئيس الجمهورية بقرار منه قبل أن يباشر هذا المجلس اختصاصه بالمحاكمة.
إذ ثار الشك في ظل صدور تعديل قانون معاملة المحتجزين (DTA) سنة 2005، ونص المادة (1005) على عدم جواز الطعن في الأحكام النهائية الصادرة من المجلس العسكري مراجعة وضع المقاتل، والتظلم من أوامر الحبس إلا أمام محكمة استئناف كولومبيا الأمر الذي يحظر على المحكمة العليا التدخل في هذا الأمر، إلا أن المحكمة العليا خلصت إلى أن هذا النص لا يسري على التظلمات التي كانت مرفوعة بالفعل – ومن بينها تظلم حمدان – قبل صدور هذا القانون، ومن ثم فإنها تختص بنظر هذا التظلم.
ومن ناحية أخرى فإذا كان الدستور الأمريكي قد أعطى لكل مقبوض عليه أو معتقل الحق في التظلم من أمر حبسه أو اعتقاله، ومن ثم من أمر تقديمه إلى المحاكمة أمام قضاء غير مدني، فإن إقرار الكونجرس بوجود القضاء العسكري يستوجب توقف المحاكم المدنية عن التدخل في الدعوى أمام القضاء العسكري لحين فصله فيها – مبدأ المجاملة - وقد أجابت المحكمة العليا على ذلك بأن مبدأ المجاملة – احترام اختصاص القضاء العسكري – يقتصر على القضاء الذي يتمتع بضمانات التقاضي الكاملة، وليس من بينها المجالس العسكرية التي أنشأها رئيس الجمهورية لمحاكمة حمدان وغيره، ومن ثم يحق لحمدان تقديم تظلمه أمام المحكمة العليا حتى قبل أن ينتهي هذا المجلس من الفصل في دعواه.
ثانياً: في شرعية إنشاء المجلس العسكري
لم يصدر الكونجرس قراراً بإنشاء المجلس العسكري الذي يحاكم حمدان، وإنما أصدر القرار بإنشائه رئيس الجمهورية بناء على تفويض الكونجرس له في أعقاب الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها القاعدة ضد الولايات المتحدة، باستخدام جميع القوى الضرورية واللازمة ضد الدول والمنظمات والأشخاص الذين خططوا أو أذنوا أو نفذوا أو ساعدوا في هذه الهجمات الإرهابية، قصد منع تكرار هذه الأفعال، ومن ثم فإن التفويض انصب على استخدام القوى وليس المحاكمة الجنائية، وهو الأمر الذي أثار البحث عن دستورية إنشاء هذه المحاكم وشرعيتها.
ولقد ذهب أغلبية أعضاء المحكمة إلى جواز إنشاء هذه المجالس العسكرية لمحاكمة الأجانب استناداً إلى نظرية الضرورة، إلا أنهم علقوا ذلك على خضوع هذا التنظيم لذات القواعد والمعايير الإجرائية المعمول بها أمام محاكم الولايات المتحدة، والتي تكفل ضمانات حقوق الإنسان.
ومع ذلك، فإن من بين أعضاء المحكمة من رأي انتفاء الضرورة لذلك، وعدم خضوع جريمة التآمر المنسوبة إلى حمدان لاختصاص هذه المجالس التي يقتصر اختصاصها على النظر في جرائم الحرب دون سواها، وعندهم أن جريمة التآمر ليست من جرائم الحرب، ومن ثم فلا يجوز لرئيس الجمهورية أن يسند أمر محاكمتها إلى مجلس عسكري، وإنما يجب أن تقدم إلى قضاء مدني.
ثالثاً: في شرعية إجراءات محاكمة حمدان
فصلت المحكمة العليا في هذا الحكم في مسألة جواز سن الرئيس لإجراءات محاكمة خاصة للمجلس العسكري الذي يحاكم حمدان أمامه، تغض من الضمانات القانونية التي أقرها الكونجرس في القانون الموحد للقضاء العسكري الأمريكي، والتي تستوجب وجود قضاة مدنيين محايدين، وإتاحة فرصة الاستئناف أمام المحاكم العسكرية المشكلة من قضاة مدنيين، وقد خلصت المحكمة في هذا الشأن إلى أن الأصل هو توحد النظام القضائي في ضماناته، سواء جرت المحاكمة أمام محاكم عسكرية أم مجالس عسكرية، ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلا لضرورة ملجئة تسوغ ذلك، وفي القضية الخاصة بحمدان لم تثر الحكومة أية أسباب محددة لهذا الخروج على هذه الضمانات، وهو الأمر الذي يجعلها باطلة.
ولقد توقفت المحكمة ملياً أمام حرمان حمدان من حضور محاكمته، وسماع الشهود ومناقشتهم، وعن حرمانه من الإطلاع على الأدلة القائمة ضده، والتي يحاكم بمقتضاها، وهنا أكدت أن هذا الإخلال بالضمانات الإجرائية يعد إخلالاً جسيماً لا يجوز الترخيص به من غير سبب جدي تبديه الحكومة أمام هذه المحكمة يسوغ ذلك.
كما عرّجت المحكمة على مسالة تطبيق أحكام اتفاقية جنيف الثالثة الموقعة في أغسطس عام 1949، والمتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، وما قررته من وجوب إجراء محاكمة الأسرى وفقاً للضمانات التي أقرتها الأمم المتحدة، وخلصت إلى وجوب إنفاذ هذه الضمانات سواء كان النزاع دولياً أم محلياً، وسواء كانت الدولة التي ينتمي إليها الطرف المحارب – المقبوض عليه – قد وقعت على المعاهدة أم لم توقع.
وأخيراً خلصت المحكمة إلى أن الإخلال بضمانات المحاكمة غير جائز إطلاقاً، ولو صح أن شخصاً يمثل خطورة على مصالح الولايات المتحدة فإنه يجوز اعتقاله، ولكن لا تجوز محاكمته إلا وفقاً للضمانات القانونية التي تقرها الولايات المتحدة والأمم المتحدة لمحاكمة المتهمين.
والملاحظ على هذا الحكم أن المحكمة كانت حريصة كل الحرص على كفالة حقوق المتهم أثناء المحاكمة، إلا أنها لم تهدر دور رئيس الجمهورية في تشكيل المجالس العسكرية استناداً إلى حالة الضرورة، كما لم تهدر سلطة الحكومة الأمريكية في اعتقال الأشخاص الخطرين عليها، إلا أنها أكدت على أن أي محاكمة، سواء كانت أمام مجلس عسكري أم أمام محكمة عسكرية يجب أن تلتزم بقواعد وضمانات المحاكمة العادلة، وإن تمكن المتهم من إبداء دفاعه كاملاً، والإطلاع على الأدلة القائمة ضده، إلا أن ذلك لا يحول دون الخروج على هذا الأصل إذا ما قامت مبررات استثنائية واضحة تجيز ذلك.
وقد حرصت المحكمة العليا الأمريكية أن تسجل في حكمها عدداً من المبادئ الدستورية البارزة التي استقرت ورشحت تأكيداً للشرعية يمكن إجمالها فيما يلي:
1- إن جمع السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في يد واحدة هو الاستبداد ذاته.
2- إن خطر الإرهاب – دون استهانة به أو التقليل من عواقبه – لا يبرر انتهاك المحاكمة العادلة.
3- إن حالة الضرورة التي منحت المجالس العسكرية شرعيتها، لم تسلبها ضماناتها.
4- إن الإجراءات التي اتخذت ضد حمدان تخالف الإجراءات المقررة في المحاكم العسكرية بصورة غير مبررة عملياً، ومن ثم فقد أخفقت في توفير الضمانات الضرورية للمحاكمة.
وهذه هي أهم النقاط التي أثارها الحكم، وسوف نتولى عرض أسبابه باختصار غير مخل، وذلك حسب التقسيم الذي اعتمدته المحكمة الأمريكية العليا في حكمها على النحو التالي:
الجزء الأول
الوقائع والإجراءات
بتاريخ 11/9/2001 اختطفت منظمة القاعدة الإرهابية طائرات مدنية محملة بركاب مدنيين وهاجمت بها أهدافاً مدنية وعسكرية في الولايات المتحدة، فأصابت مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، والمقر القومي لوزارة الدفاع في ارلينجتون بفرجينيا ورداً على هذه الأحداث فقد أصدر الكونجرس الأمريكي قراراً خول رئيس الجمهورية الصلاحية في استخدام جميع القوى الضرورية واللازمة ضد الدول والمنظمات والأشخاص الذين خططوا أو أذنوا أو نفذوا أو ساعدوا في هذه الهجمات الإرهابية بقصد منع تكرار هذه الأفعال الإرهابية مستقبلاً.
وتنفيذاً لذلك فقد أصدر رئيس الولايات المتحدة أمراً لقواته المسلحة بغزو أفغانستان وأثناء ذلك تم القبض على آلاف الأشخاص المشتبه فيهم، وكان سالم احمد حمدان مقدم هذين التظلمين من بينهم، والذي ألقي القبض عليه وجرى ترحيله إلى سجن بخليج جوانتانمو تابع للقوات المسلحة الأمريكية.
وفي 13 نوفمبر سنة 2001 وأثناء قتال الولايات المتحدة "وطالبان"، أصدر الرئيس الأمريكي قراراً عسكرياً بقصد تنظيم عمليات الاحتجاز ومحاكمة الأجانب المقبوض عليهم نص على محاكمة كل أجنبي يقوم في حقه سبب للاعتقاد بأنه كان عضواً بمنظمة القاعدة أو ما زال عضواً بها، وشارك في أنشطة إرهابية تسبب عنها ضرر للولايات المتحدة أمام المجلس العسكري المشكل لهذا الغرض ويحكم عليه بالعقوبات المنصوص عليها فيه ومن بينها السجن والإعدام.
وقد خول القرار المذكور لوزير الدفاع سلطة تشكيل المجالس العسكرية لمحاكمة الأشخاص سالفي البيان، والذي عهد إلى السيد/ جون دي التنبرج الابن وهو لواء متقاعد ومحامي عسكري منذ وقت بعيد بتشكيل هذه المجالس العسكرية.
وفي الثالث من يوليو سنة 2003 أعلن الرئيس خضوع حمدان، وخمسة آخرين محتجزين معه في سجن خليج جوانتانمو للمحاكمة أمام المجلس العسكري سالف البيان دون أن تسند إليهم تهماً محددة، وبناء على ذلك فقد تم تعيين محام عسكري للدفاع عنه في ديسمبر 2003.
وبالنظر لعدم إسناد أي تهمة إلى حمدان في ذلك الوقت فقد تقدم محاميه بالتماسين طعناً على الأمر الصادر بحبسه إلى محكمة المقاطعة الغربية بواشنطن طبقاً لنص المادة العاشرة من القانون الموحد للقضاء العسكري بغية الحكم له ببطلان محاكمته أمام المجلس العسكري المشكل من قبل رئيس الجمهورية، وانعقاد الاختصاص بمحاكمته للمحاكم العسكرية- وليس المجالس العسكرية – وذلك لسببين أولهما أن قانون الكونجرس أو القانون العام للحرب لم ينص على اختصاص هذا المجلس بمحاكمته عن تهمة التآمر، إذ أن هذه التهمة لا تمثل خرقاً لقانون الحرب، وثانيها لكون الإجراءات الجنائية التي أجاز الرئيس اتباعها عند محاكمته تتضمن انتهاكاً للمبادئ الأساسية لكل من القانون الدولي والقانون العسكري لأنها تخل بحق المتهم في الإطلاع على الأدلة المقدمة ضده والاستماع إليها.
وفي 13 يوليو 2004 قدمت الحكومة قائمة الاتهام ضد حمدان، وهي تحتوي على 13 بنداً، يتضمن البندان الأول والثاني منها بياناً للأساس القانوني لاختصاص المجلس العسكري الصادر بقرار رئيس الجمهورية بتاريخ 13 نوفمبر وتصريح الرئيس في 13 يوليو 2004 باستحقاق حمدان للمحاكمة أمام هذا المجلس العسكري ولم يتضمن هذان البندان أي ذكر لحمدان.
كذلك فقد تضمنت البنود التسعة التالية إدعاءات عامة تتعلق بالأنشطة الإجرامية التي مارستها منظمة القاعدة خلال الفترة من عام 1989 وحتى 2001 كما عرفت بدور أسامة بن لادن كقائد لجماعة القاعدة، ولم تتضمن هذه البنود أي ذكر لحمدان.
أما البندان الثاني عشر والثالث عشر فهما يتعلقان بحمدان، فأسند البند الثاني عشر له تهمة الانضمام بعلمه وإرادته إلى جماعة لها هدف إجرامي عام (القاعدة)، وقد تآمر مع أعضاء القاعدة المذكورين في أعمال الاعتداء على المدنيين ومهاجمة أهداف مدنية والإرهاب مما يستوجب محاكمته أمام المجلس العسكري، والملاحظ أنه لم يسند إلى حمدان أي دور قيادي أو مشاركة في التخطيط لأي نشاط من هذه الأنشطة.
أما البند الثالث عشر، فقد اسند إليه أفعالاً مادية محددة هي أنه في غضون الفترة من عام 1996 وحتى نوفمبر 2001 قام بالتداخل في أنشطة منظمة القاعدة على النحو التالي (1) عمل مؤقتاً كحارس شخصي وسائق لأسامة بن لادن وجماعته وكان ذلك قبل وأثناء هجمات الحادي عشر من سبتمبر. (2) قام وآخرون بتنظيم نقل الأسلحة ونقلها بالفعل بغية استخدام أعضاء منظمة القاعدة والحراس الشخصيين لبن لادن لها. (3) أقل أسامة بن لادن ورافقه لمعسكرات التدريب والمؤتمرات الصحفية والمحاضرات الممولة من قبل القاعدة، والتي حرض خلالها بن لادن على شن الهجمات على الأمريكيين. وتلقى تدريباً على الأسلحة بمعسكرات القاعدة.
وبعد توجيه هذه التهم إلى حمدان أحيل تظلماً حمدان من محكمة المقاطعة الغربية لولاية واشنطن إلى محكمة الولايات المتحدة بولاية كولومبيا وفي هذه الأثناء اجتمعت محكمة مراجعة وضع المقاتل  والمنصوص عليها بموجب القرار العسكري الصادر في 7 يوليو 2004 وقررت شرعية احتجاز حمدان المستمر بخليج جوانتانمو لأنه "عدو مقاتل".
وفي 8 نوفمبر 2004 قبلت محكمة المقاطعة تظلمي حمدان مقررة حق التجائه إلى القضاء طعناً على أمر الحبس وأمرت بإيقاف إجراءات المجلس واستندت في ذلك إلى أن سلطة الرئيس في تشكيل المجالس العسكرية تقتصر على أحوال ارتكاب الجرائم التي تستوجب المثول أمام ذلك المجلس طبقاً لقانون الحرب، وأن قانون الحرب قد تضمن أحكام اتفاقية جنيف المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب "اتفاقية جنيف الثالثة" ويترتب على ذلك أن يحق لحمدان التمتع بالحماية الكاملة التي تنص عليها اتفاقية جنيف الثالثة لحين الفصل في قضيته، وأن أحكام هذه الاتفاقية لا تجعله في وضع أسير حرب، وبفرض كونه أسير حرب، فإنه محاكمته أمام المجلس العسكري تمثل انتهاكاً للقانون الموحد للقضاء العسكري وللبند الثالث المشترك من اتفاقية جنيف الثالثة استناداً إلى أن المجلس له سلطة الإدانة بناءً على أدلة لا يمكن المتهم من رؤيتها أو الاستماع إليها.
وإذ طعن على هذا الحكم أمام محكمة الاستئناف بمقاطعة كولومبيا فقد قضت برفض طلب الحكومة بعدم الاعتداد بتظلمي حمدان لعدم جديتهما، إلا أنها قضت في الموضوع برفضهما لعدم استحقاق حمدان النظر لتطبيق اتفاقية جنيف الثالثة عليه، واتفق ثلاثة قضاة من أصل خمسة على تأسيس هذا القضاء على عدم قابلية هذه الاتفاقية للإنفاذ في الولايات المتحدة ذاتياً، بينما ذهب الإثنان الآخران إلى تأسيس ذلك على عدم إمكان تطبيق هذه الاتفاقية بأي حال من الأحوال. ذلك أن حكم المحكمة العليا في قضية كورين قد حصن اختصاص المجلس العسكري من أي طعن، كما أن هذا الاختصاص لا ينتهك القانون الموحد للقضاء العسكري ولوائح القوات المسلحة الأمريكية المنفذة لاتفاقيات جنيف الأربع.
وقد قررت هذه المحكمة – المحكمة العليا - بموجب هذا الحكم الفصل في مسألة صحة اختصاص المجلس العسكري المشكل على النحو السالف بمحاكمة حمدان، ومدى حق حمدان في الاستناد إلى اتفاقية جنيف.
الجزء الثاني
في اختصاص المحكمة العليا بالفصل في التظلمات من أوامر الحبس
في 13 فبراير 2006 تقدمت الحكومة بطلب رفض حق حمدان في الطعن على القرار الصادر ضده استناداً إلى أحكام قانون معاملة المحتجزين الصادر حديثاً عام 2005، وقد أجلت هذه المحكمة الحكم في هذه المسألة إلى ما بعد سماع المرافعة والآن نقضي برفضه.
ينظم قانون معاملة المحتجزين (D.T.A) الصادر في 30 ديسمبر 2005 العديد من الموضوعات المتعلقة بالمحتجزين، ويضع قيوداً على معاملة واستجواب المحتجزين من المعتقلين تحت يد الولايات المتحدة، ويقدم الحماية الإجرائية لموظفي الولايات المتحدة المتهمين بإجراء استجوابات مخالفة للقانون. كما وأنه ينظم الإجراءات المتبعة لمراجعة وضع المحتجزين خارج الولايات المتحدة ومن بينهم حمدان، وقد تضمن نص المادة (1005) ببنودها الفرعية تنظيم هذه المسألة.
فقد نصت الفقرة الفرعية (هـ) في صدرها على أن "بشكل عام – يعدل البند 2241 رقم 28 من قانون الولايات المتحدة بموجب النصوص التالية:-
(البند هـ) لا يجوز لأي محكمة أو قاضي أن يباشر الاختصاص بنظر الدعاوى الآتية على خلاف الأحكام المنصوص عليها في البند 1005 من قانون معاملة المحتجزين وقد عدد النص الأحوال التي ينعقد بها الاختصاص المنصوص عليه في هذا النص.
(البند (1) الفرعي) – التظلمات المقدمة من المحبوسين الأجانب أو وكلائهم ضد أوامر الحبس الصادرة من وزارة الدفاع بحبسهم في خليج جوانتانمو بكوبا.
(البند (2) الفرعي):- كل فعل آخر يوجه ضد الولايات المتحدة أو أحد عملائها يترتب عليه قيام وزارة الدفاع باحتجاز شخص بأي صورة من صور الاحتجاز في خليج جوانتانمو بكوبا وهي:-
(أ) وضع الشخص تحت الحراسة.
(ب) احتجاز الشخص من قبل محكمة استئناف كولومبيا طبقاً للإجراءات المنصوص عليها في البند (1005) هـ من قانون معاملة المحتجزين الصادر عام 2005 باعتباره من الأعداء المقاتلين.
وقد تضمن البند الثاني أحكام توزيع الاختصاص المتعلقة بالطعن على الأحكام الصادرة من محكمة وضع المقاتل، فاسندت إلى محكمة استئناف كولومبيا الاختصاص الحصري بنظر الطعون على الأحكام النهائية الصادرة من محكمة مراجعة وضع المقاتل المتعلقة بتقرير مدى صحة اعتبار الأجنبي عدواً مقاتلاً، بينما نظم البند الثالث الطعن على الأحكام النهائية الصادرة من المجالس العسكرية المنشأة بموجب القرار رقم (1) بتاريخ 31 أغسطس، وقد خول هذا البند محكمة استئناف كولومبيا الاختصاص الحصري كذلك بالنظر في الطعون المقدمة من المحكوم عليهم في الأحكام النهائية الصادرة بالإعدام أو السجن مدة عشر سنوات أو أكثر، دون غيرها من أحكام الإدانة الأخرى.
ويقتصر نطاق الاستئناف على الأحوال الآتية:
(1) مدى توافق الحكم النهائي للمجلس العسكري مع المعايير والإجراءات المحددة في القرار العسكري المشار إليه في الفقرة الفرعية (أ).
(2) مدى تطابق الإجراءات المتبعة والتي عول عليها حكم الإدانة النهائي مع دستور – الولايات المتحدة وقوانينها.
وفي ختام البند (1005) نص البند الفرعي (ح) على سريان نصوصه من حيث الزمان إذ نص على الآتي:
[البند الفرعي (1) من (ح)]- بشكل عام تسري أحكام هذا البند اعتباراً من تاريخ صدور هذا القانون.
[البند الفرعي (2) من (ح)]- تطبق أحكام البند (5001) على الطعون المرفوعة قبل إصدار هذا القانون وتلك التي ترفع بعد العمل بأحكامه ضد الأحكام النهائية الصادرة من محكمة مراجعة وضع المقاتل أو الأحكام الصادرة من المجلس العسكري طبقاً للفقرتين 2، 3 من البند الفرعي (هـ).
والملاحظ أن المشرع وإن كان قد نص صراحة على سريان أحكام المادة (5001) على الطعون المرفوعة ضد الأحكام النهائية الصادرة من محاكم مراجعة وضع المقاتل وتلك الصادرة من المجلس العسكري، إلا أنه صمت عن تحديد تاريخ سريان أحكام المادة (5001) على التظلمات المقامة ضد أوامر الحبس قبل العمل بأحكام هذا القانون.
وقد ذهبت الحكومة في دفاعها إلى سريان أحكام الاختصاص الحصري المقيد لمحكمة استئناف كولومبيا على التظلمات من أوامر الاعتقال التي تم رفعها قبل صدور أحكام قانون معاملة المحبوسين الصادر في 30 ديسمبر 2005 استناداً إلى الأثر الفوري لتطبيق أحكام هذا القانون المنصوص عليه في الفقرة الفرعية (1من ح)، وهو الأمر الذي يترتب عليه ألا يحق لحمدان  رفع طعنه أمام المحكمة العليا إعمالاً للأثر المباشر لسريان أحكام هذا القانون الذي يعطي الحق الجامع المانع لمحكمة استئناف كولومبيا وينزع الاختصاص بناء على ذلك من المحكمة العليا الأمريكية والتي تعمل الرقابة الفيدرالية على أحكام الولايات مما يترتب عليه أن يكون هذا الطعن غير مقبول.
ويرد حمدان هذه الحجة من ناحيتين، فمن الناحية الدستورية، فإن النص المذكور في ضوء ما فهمته الحكومة من تفسير أحكامها يصطدم مع أحكام الدستور، ذلك أن الحق في التظلم من أمر الحبس نص عليه الدستور ومن ثم فليس للكونجرس حظره، وهو ما أكده حكم (يردر) عام 1869 والذي قرر أن إنكار اختصاص المحكمة العليا بنظر الطعون المقامة من المستأنفين في شأن حق جوهري كحق التظلم من أمر الحبس هو تعطيل جسيم لفعالية هذا الحق الدستوري.
ومن ناحية أخرى فإنه لا يجوز أن يفترض أن الكونجرس أنكر هذا الحق ما لم ينص صراحة على ذلك بصورة لا تدع مجالاً للشك، كما ذهب القاضي (مارشال) في رأيه المستقل الذي أبداه في تلك الدعوى حيث قرر أن "سلطة المحكمة الاستئنافية لم تنشئها التشريعات الصادرة عن الكونجرس وإنما أنشأها الدستور). أما في قضية (ماك ارديل) فقد قضى بأن الكونجرس وإن كان له الحق في إلغاء أحد سبل الطعن بالاستئناف إلا أنه لا يجوز له أن ينكر هذا الحق على المدعين واستناداً إلى ذلك يؤسس حمدان عدم دستورية إلغاء حق الكونجرس في الطعن على حكم الاستئناف بشأن أمر الحبس.
وتقرر المحكمة أن الأحكام العامة في التشريع تكفي لدحض حجة الحكومة دون التطرق إلى الحجة الدستورية، وتفسير ذلك أن عدم نص الكونجرس على سريان أحكامه على التظلمات التي كانت مرفوعة قبل صدور التشريع الأخير يقيم قرينة على تطبيقه بأثر فوري لأن الأثر الرجعي لا يطبق إلا بنص صريح طالما أن الحكم الجديد ينطوي على إهدار لحقوق الأفراد والضمانات المقررة لهم، ومؤدي هذه القاعدة أن السكوت على النص على الأثر الرجعي بشأن التظلمات من أوامر الحبس التي كانت مرفوعة عند صدور هذا القانون من جهة، وتعمد الكونجرس النص صراحة على سريان هذا الأثر الرجعي فيما يتعلق بالطعون على الأحكام الصادرة من محكمة وضع المقاتل والمجالس العسكرية والصادرة قبل نفاذ هذا القانون يعطي مدلول المخالفة للنص المسكوت عنه – تظلمات أوامر الحبس – ليصح حكمه فيما يتعلق بتطبيق أحكام هذا النص على الالتماسات التي كانت مرفوعة عند صدوره عكس حكم الأحوال المنصوص عليها بشأن سريان أحكامه على محكمة وضع المقاتل وأحكام المجالس العسكرية. وهذا الحكم هو المطبق في قضية لبنده، وهو الأمر الذي يدحض رأي الحكومة الذي استند إلى عدم وجود مبرر للتمييز بين الطعون على الأحكام المنصوص عليها طبقاً لنص البندين (2، 3) من (هـ) عن تلك المنصوص عليها في الفقرة (1) من ذات النص ما دام الحكم العام الذي سيسري بأثر فوري واحداً ويقرر الاختصاص الحصري والنهائي لمحكمة استئناف كولومبيا وأن المشرع لم يكن بحاجة للنص على الأثر الفوري، ذلك أن هذه المحكمة لا تستطيع أن تتجاهل رأي القاضي (سكاليا) والذي ذهب إلى أن مؤدى نص البند (1005) (هـ) (1) واضح للغاية وأن المعنى الظاهر للقانون الملغي للاختصاص يستدعي إعمال أثره بأثر مباشر على القضايا التي كانت مرفوعة عند صدوره وتلك التي ترفع بعد ذلك فقط ما لم تكن المحكمة تتبع منهجاً أصماً، أما المحكمة العليا فهي لا تتبع هذا المنهج الأصم ذلك أن تطبيق البند (هـ) بالنسبة إلى الفقرتين (1، 2) وحسب نص التشريع صراحة على سريانها بأثر رجعي ولم ينص على ذلك في الفقرة (1) الأمر الذي يعطي دلالة عكسية.
ولهذه الأسباب فقد خلصت المحكمة إلى رفض هذا السبب.
ثالثا
اختصاص المحاكم المدنية بمراقبة إجراءات القضاء العسكري "مبدأ المجاملة"
ادعت الحكومة أنه حتى لو كان للمحكمة العليا اختصاص تشريعي فإن عليها أن تطبق التشريع الحاكم لهذه المنازعة أولاً، والذي يسند الاختصاص للقضاء العسكري مما لازمه وجوب انتظار المحاكم المدنية للمحاكم العسكرية للانتهاء من إجراءاتها قبل الطعن على هذه الإجراءات.
واستندت الحكومة في دعم هذه الحجة إلى سابقة "قضية كانسلمان"، وهو ضابط بالجيش اتهم ببيع ونقل وحيازة الماريجوانا أثناء خدمته العسكرية، وقد قام الضابط برفع دعوى أمام المحكمة الفيدرالية لوقف إجراءات المحاكمة العسكرية مستنداً إلى أن التهم الموجهة إليه لا تتعلق بمزاولة الخدمة العسكرية مما ينتفي معه اختصاص المحاكم العسكرية بمحاكمته، وقد وافقت محكمة الولاية على تظلمه من الأمر بالحبس وأكدته محكمة الاستئناف، وقد قضى باختصاص المحاكم العسكرية بالدعوى دون أن تتعرض المحكمة لما إذا كانت هذه التهم لها علاقة كافية بمزاولة الخدمة العسكرية، وخلصت إلى أنه على المحاكم الفيدرالية ألا تتدخل في إجراءات المحاكم العسكرية التي تتخذها ضد أفراد الجيش ما لم توجد ظروف استثنائية تبرر الخروج على هذا المبدأ، وقد أسست المحكمة حكمها على مبدأين فيما عبر عنه بقاعدة المجاملة.
أولهما:- حق التأديب العسكري، يحق للقوات المسلحة أن تؤدب أفراد الجيش بأجهزتها القضائية بمنأى عن تدخل المحاكم المدنية.
ثانيهما:- أنه على المحاكم الفيدرالية أن تحترم التوازن الذي حققه الكونجرس بين رغبة الجيش في الاستغناء الكامل، وبين رغبته في تحقيق العدالة بين أفراده، وقد حقق الكونجرس هذا التوازن بإنشائه نظاماً قضائياً متكاملاً اشتمل على محاكم عسكرية إلى جانب محكمة استئناف عسكرية تتولى نظر الطعون وتتكون من قضاة مدنيين مستقلين لا يتعرضون لأي تأثير من الجيش، ومن ثم تزول حجة تدخل المحاكم المدنية في الإجراءات الجنائية التي تتخذها المحاكم العسكرية بالنظر لتوفر الحماية الإجرائية والرقابة الاستئنافية التي تولاها قضاة مدنيون بما يضمن لأفراد الجيش حقوقهم الدستورية.
ولا شك أن المبادئ التي تقررت في قضية كانسلمان فيما عرف بمبدأ المجاملة، لا تنطبق على القضية المعروضة – قضية حمدان – ويعود ذلك إلى الأسباب التالية:
أولاً:- لان حمدان ليس فرداً من أفراد القوات المسلحة الأمريكية وهو الأمر الذي لا يمكن معه تطبيق مبدأ التأديب العسكري.
ثانياً:- أن المحكمة المشكلة لمحاكمة حمدان لا تندرج تحت النظام المتكامل للمحاكم العسكرية الذي أنشأه الكونجرس وزوده بمحاكم الطعن المستقلة، ولذلك لا يحق لحمدان الطعن في أي تهمة منسوبة إليه أمام القضاة المدنيين لمحكمة الاستئناف العسكرية (المحكمة الأمريكية الاستئنافية للقوات المسلحة) وإنما يتم النظر في التهم الموجهة إليه بواسطة مجلس مكون من ثلاثة ضباط عسكريين يعينهم وزير الدفاع وذلك بموجب صلاحياته المقررة بموجب قرار اللجنة العسكرية التابعة لوزارة الدفاع طبقاً للقرار رقم (1) الصادر من الرئيس الأمريكي في 21 مارس 2002 والمعدل مؤخراً في 31 أغسطس 2005 والذي يسند الاختصاص بالنظر في التظلم منه إلى وزير الدفاع نفسه. وأخيراً إلى الرئيس الأمريكي.
ولا شك أنه سوف يتعين على أعضاء هذا المجلس بذل الكثير من الجهد لعدم التحيز وللتأكد من حماية حقوق حمدان جميعها، ومن جهة أخرى فإن هذا المجلس لا يخلو من البعد عن تأثير الجيش خلافاً لمحكمة القوات المسلحة الاستئنافية، الأمر الذي ينفي الضمانات الأساسية للمحاكمة.
ومن جماع ما تقدم فإنه لا يمكن تطبيق المبدأين السابق ذكرهما في قضية كانسلمان على القضية الراهنة.
والحق أن السابقة المقررة في "قضية كورين"، هي الأقرب إلى قضية حمدان، ففي "قضية كورين" تم القبض على سبعة عملاء ألمان أثر وصولهم بغواصتين إلى نيويورك وفلوريدا، وقام الرئيس الأمريكي بتشكيل مجلس عسكري لمحاكمتهم عقب إلقاء القبض عليهم، وقاموا برفع تظلمات من أمر الحبس أمام محكمة ولاية كولومبيا طاعنين على قرار محاكمتهم أمام المجلس العسكري، وقد وافقت هذه المحكمة على تظلمهم وأمرت بنقل الدعوى إلى محكمة الاستئناف للنظر فيها كما أمرت بتشكيل مجلس خاص لنظر الدعوى وأصدرت بناءً عليه حكمها بعد اتخاذ الإجراءات أمامه تأسيساً على واجب المحاكم في الحفاظ على معايير الحماية الدستورية للحريات المدنية في أوقات السلم والحرب على السواء.
وفي قضية حمدان فلما كانت الحكومة لم تحدد أسباباً توفر لها الحيدة عن حماية الحريات المدنية، بحيث تجيز للمحاكم الفيدرالية أن تحيد عن واجبها العام لممارسة الاختصاص المنوط بها من قبل الكونجرس (وهو رأي الأغلبية)، وكانت محاكمة حمدان أمام المجلس العسكري لا تخضع لأي من القوانين الإجرائية التي أقرها الكونجرس للمحاكم العسكرية، وهي قوانين تؤكد على حماية المتهم، وتؤكد على مصداقية حكم الإدانة، دون الافتئات على الأحوال التي يكون فيها المجلس العسكري لإجراء المحاكمة في قضايا ذات ظروف معينة، مثال ذلك المجالس العسكرية المشكلة في ميدان الحرب).
ويتضح مما تقدم أنه لا يوجد مبرر لامتناع المحكمة العليا عن نظر هذه الدعوى طبقاً لمبدأ المجاملة أخذاً في الاعتبار الأسباب الجوهرية التي أقيم عليها تظلم حمدان.
رابعاً
رأي أغلبية أعضاء المحكمة في شرعية إنشاء المجالس العسكرية
أشار الأستاذ "وينثروب" إلى أن المجلس العسكري هو محكمة لم ينشئها لا الدستور ولا القانون وإنما أنشأتها حالة الضرورة، ومثال ذلك المجلس الذي أنشأه الجنرال "واشنطن" لمحاكمة الرائد البريطاني "جون اندريه" بتهمة التجسس أثناء الحرب الثورية وكان ذلك عام 1847. كذلك أثناء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة جرى إنشاء مجالس عسكرية ولم يقتصر اختصاصها على محاكمة مرتكبي جرائم الحرب فحسب، وإنما الجرائم العادية كذلك وكان مبرر هذه المجالس هو أن المحاكم العسكرية يقتصر اختصاصها على محاكمة رجال القوات المسلحة وحدهم وبعض الجرائم المنصوص عليها حصراً دون غيرها من الجرائم.
لقد حدد الدستور سلطة الكونجرس وسلطة رئيس الجمهورية، ومن ثم فيقتصر نطاق سلطة كل منهما على الصلاحيات المحددة فيه - وقد نصب الدستور الرئيس قائداً عاماً للقوات المسلحة، بينما خول الكونجرس صلاحية إعلان الحرب وسن القوانين التي تنظم الحق في الاعتقال في البر والبحر، وكذلك سن القوانين اللازمة لدعم القوات المسلحة وتوقيع العقوبات على مرتكبي الجرائم ضد القانون الدولي، وقد صور القاضي "تشايس" هذه السلطات على ما جاء في قضية "ميليجان"، في أن للكونجرس تشريع القوانين، وعلى الرئيس تنفيذها، ولكن ليس للرئيس التدخل في الصلاحيات الممنوحة للكونجرس خاصة في وقت الحرب، وبالمقابل ليس للكونجرس التدخل في صلاحيات الرئيس. وإذا لم يكن للكونجرس التحكم في إدارة الحملات العسكرية على الأعداء، فليس للرئيس في غير حالة الضرورة أن يتدخل في اختصاص الكونجرس في تشكيل المحاكم المختصة لمحاكمة المدنيين والعسكريين عن الجرائم المرتكبة منهم دون الحصول على تصديق من الكونجرس على ما أتخذه من إجراءات في هذا المضمار.
وسواء كان صحيحاً أو غير صحيح ما قرره القاضي (تشايس) من أنه في أحوال الضرورة يحق للرئيس تشكيل مجالس عسكرية دون تصديق من الكونجرس على هذا القرار – وهو سؤال لا تعتزم المحكمة التصدي للإجابة عنه الآن – فإن الثابت يقيناً أن الكونجرس عمد في قضية كويرين إلى التصديق على قرار الرئيس بتشكيل المجلس العسكري والذي أسند له سلطة محاكمة مرتكبي الجرائم ضد قانون الحرب في القضايا التي تستلزم ذلك. وقد نصت المادة 15 من قانون الحرب على أن للمحاكم العسكرية سلطة محاكمة المجرمين أو مرتكبي الجرائم الواقعة بالمخالفة لأحكام قانون الحرب، كذلك فقد نصت المادة (15) منه على أن "اختصاص المحاكم العسكرية ليس اختصاصاً حصرياً" ولا يرى القاضي استيفنس أن هذا النص يجرد المجالس العسكرية من اختصاصها بنظر الجرائم والمجرمين الآخرين متى نص التشريع على ذلك، ولا يرى كذلك أن السابقة المتعلقة بقضية كورين تعد تفويضاً للحكومة بتشكيل المجالس العسكرية.
وخلافاً لما زعمته الحكومة فلا يتصور أن تدل قضية كورين على تفويض الرئيس تفويضاً شاملاً بتشكيل مجالس عسكرية كلما ترآى له ذلك، بل العكس فقد ذكر حكم كورين أن الكونجرس احتفظ بهذه السلطة وفقاً للدستور والقانون العرفي للحرب اعتباراً من سنة 1916 بعد أن كان رئيس الدولة مخولاً في إنشائها قبل هذا التاريخ في أحوال الحرب، ودليل ذلك ما خلصت إليه المحكمة من قيام الكونجرس بالتصديق على تشكيل المجالس العسكرية إذا كان متماشياً مع قانون الحرب، بيد أن الحكومة في هذه الدعوى تريد أن تتجاهل التحقيقات التي جرت في قضية كورين، وتجعل تفويض الكونجرس باستخدام القوة في القضية الماثلة بديلاً عن موافقته على إنشاء المجلس العسكري رغم أن التفويض باستخدام القوة لم يتضمن تفويضاً بإنشاء المجلس العسكري بل ولم ينص الكونجرس على تعديل نص المادة 21 من القانون الموحد للقضاء العسكري.
ومن جهة أخرى لا يمكن اعتبار قانون معاملة المحتجزين (D.T.A) بمثابة إقرار من الكونجرس بتعديل نص المادة (21) من القانون الموحد للقضاء العسكري (UCMJ)، ذلك لأن قانون معاملة المحتجزين صدر من الكونجرس بعد أن شكل الرئيس مجلس محاكمة حمدان، كما وأنه لم يصرح بتشكيل هذا المجلس أو أي مجلس آخر في خليج جوانتانمو وإذا كان قانون معاملة المحتجزين قد أشار إلى الأوامر العسكرية بتنظيم المجالس العسكرية وسلم لها بحق مباشرة الرقابة القضائية في إطار محدود، فإن مناط شرعية ذلك أن يتم هذا التشكيل في ظل وجود ظروف تبرر إنشاءها، وموافقة أحكامها لأحكام الدستور والقوانين بما في ذلك قانون الحرب، وطالما أن الكونجرس لم ينص صراحة على هذا التشكيل فإن شرعية تشكيله تتوقف على قيام المبررات اللازمة لإنشائه وهو ما سوف نتعرض لاستجلائه.
خامساً
رأي القاضي استيفنس في عدم شرعية المجلس العسكري
القاضي استيفنس هو أحد القضاة الموقعين مع الأغلبية بالموافقة على ما انتهى إليه الحكم، إلا أن له أسباباً مختلفة لتوصله إلى هذه النتيجة قام بعرضها في القسم الخامس من هذا الحكم. ويرتكز القاضي استيفنس في رأيه إلى أن إنشاء المجالس العسكرية لمحاكمة حمدان أمر غير مشروع بالنظر لأن المجالس العسكرية التي تنشأ في أحوال الحرب يقتصر دورها على محاكمة الأعداء المقاتلين عن جرائم الحرب المرتكبة أثناء الحرب، وأن حمدان لم يتهم إلا بجريمة التآمر، وهي ليست من جرائم الحرب، فضلاً عن أن الأفعال المنسوبة إليه وقعت قبل الحرب بعدة سنوات، ولم يثبت في حقه التورط في الأعمال الإرهابية التي قام بها تنظيم القاعدة في مواجهة الولايات المتحدة. ومن جهة أخرى فإن وقائع الدعوى تكشف عن عدم توفر ضرورة لإنشاء هذا المجلس بالنظر لأنه لم ينعقد في ساحة المعركة، ولا في وقت نشوب المعارك، ولم يتشكل من ضباط محاربين وإنما من ضابط متقاعد يفتقر إلى الخبرة العسكرية، فضلاً عن أن حمدان لم يتم القبض عليه في حالة تلبس، هذا هو ملخص رأيه، وسوف نتولى عرضه على النحو الآتي:
يمكن أن يستخلص من السوابق المتعلقة بالمجالس العسكرية أن تشكيلها يكون في أحوال ثلاثة:
أولاً: تم تشكيل المجالس العسكرية بدلاً من المحاكم المدنية في المكان والزمان الذي تعلن فيه الأحكام العرفية، وهو ما أثار العديد من التساؤلات الدستورية.
ثانياً: تم تشكيل المجالس العسكرية لمحاكمة المدنيين على أراضي العدو المحتلة أو على الأراضي التي تم استردادها من العدو، وتقوم المجالس في هذه الحالة كجزء من الحكومة العسكرية المؤقتة في الأحوال التي لا يمكن فيها تفعيل الحكومة المدنية لظروف الحرب. ومثالها المجلس الذي تم تشكيله في ألمانيا المحتلة عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، والذي منح لها صلاحية تطبيق القانون الجنائي الألماني.
ثالثاً:- تم تشكيل المجالس العسكرية في أحوال اندلاع الحرب في ظل الحاجة إلى احتجاز وإخضاع الأعداء الذين قاموا بمقاومة الجهود الحربية وارتكاب مخالفات لأحكام قانون الحرب، وهنا تختلف سلطات هذا المجلس عن سلطات المجلسين السابقين، إذ هي تقتصر على الجرائم التي تدخل في ولاية اختصاص المحكمة أثناء الحرب فقط، كما أن دورها الحقيقي هو تقصي الحقائق في ميدان الحرب لتحديد ما إذا كان المتهم قد خرق قانون الحرب من عدمه، وقد كانت آخر مرة فَعلَّت الولايات المتحدة المجالس العسكرية لمراقبة تطبيق قانون الحرب أثناء الحرب العالمية الثانية. ففي قضية كويرين كانت هذه المحكمة الجزائية التي أنشأها الرئيس روزفلت لمحاكمة العملاء النازيين المقبوض عليهم داخل الأراضي الأمريكية أثناء الحرب. وفي قضية ياماشيتا قضى بأن للمجلس العسكري اختصاصاً بمحاكمة القائد الياباني لفشله في منع الفرق العسكرية الواقعة تحت قيادته من ارتكاب أعمال وحشية في الفلبين.
ولقد استشهدت الحكومة بسابقة كويرين في إسناد الاختصاص إلى المجلس العسكري الذي عقد لمحاكمة حمدان بالنظر لملاءمته وعدم استهجانه، ونظراً لأن خليج جوانتانمو ليس منطقة محتلة ولا يخضع للأحكام العرفية فقد تعين تطبيق أحكام المجلس المقررة بموجب قانون الحرب. وبالنظر لعدم وجود سلطة تنفيذية واقعية فإن نموذج كورين هو الحد الأقصى لسلطات المجلس العسكري في محاكمة الأعداء المقاتلين عن جرائم الحرب.
ففي كتاب الكولونيل وليام وينثروب "The classic treatise" وهو حجر الزاوية في شرح القانون العسكري يحدد أربعة شروط مفترضة على الأقل لانعقاد الاختصاص لمحكمة عسكرية مثل تلك التي تحاكم حمدان.
أولاً:- أن تكون الأفعال المرتكبة قد وقعت في ميدان الحرب بناء على أمر عسكري من القائد.
ثانيا:- أن ترتكب هذه الأفعال في زمن الحرب ومن ثم ينتفي الاختصاص عن الأفعال التي وقعت قبلها أو بعدها.
ثالثاً:- ألا تكون اللجنة العسكرية قد أنشئت وفقاً للأحكام العرفية أو في ظل الاحتلال، وتختص بمحاكمة أفراد القوات المسلحة المعادية لإدانتهم عن جرائم الحرب غير المشروعة أو أي جريمة أخرى من جرائم الحرب. أو أن يكون من جيش الدولة نفسها ولكنهم ارتكبوا وقت الحرب جرائم لا تستوجب مثولهم أمام المحاكم الجنائية بمقتضى مواد  قانون الحرب.
رابعاً: تختص المجالس العسكرية المنشأة طبقاً لقانون الحرب بمحاكمة أنواع الجرائم الآتية: - انتهاك قوانين وأعراف الحرب التي تختص بنظرها المحاكم العسكرية، وخرق القرارات العسكرية واللوائح العسكرية.
اتفق جميع الأطراف على أن مؤلف الكولونيل وينثروب قدم وصفاً دقيقاً لأحكام القانون العرفي المتعلق بالمجالس العسكرية، وأن قواعد الاختصاص التي قررها قد نصت عليها المادتان 5، 2 من القانون الموحد للقضاء العسكري، ولا شك أن المجلس العسكري الذي يحاكم حمدان لا تتوفر فيه أي من أحكام الاختصاص المذكورة. كما وأن التهمة الموجهة إليه ليست من بين التهم التي يختص بمحاكمتها هذا المجلس العسكري. وهنا يثور التساؤل عن مدى توفر الضرورة العسكرية التي تبرر قيام هذه المحكمة غير العادية.
أن التهمة المنسوبة إلى حمدان تبدأ من عام 1996 وحتى نوفمبر 2001 أي امتدت لعدة سنوات تصل إلى خمس سنوات تقريباً سابقة على هجمات 11 سبتمبر 2001 أي قبل التفويض باستخدام القوة الصادر في قانون الكونجرس الذي تعتمد الحكومة عليه في ممارستها لاستخدام القوة العسكرية والتي انبثق عنها سلطتها في إنشاء هذا المجلس.
كما أنه لم يشترك في الاتفاق مع أسامة بن لادن وآخرين في ارتكاب جرائم الحرب أو أي فعل "مادي" يدعي حدوثه أثناء الحرب أو في أي تاريخ لاحق على هجمات 11 سبتمبر 2001، ولم يسند إلى حمدان انتهاكه قانون الحرب بأي فعل "مادي".
إن هذه الحقائق تثير الشكوك حول شرعية المجلس بنظر هذه التهمة، فقد أوضحنا أن وينثروب اشترط أن ترتكب الجريمة في ميدان الحرب أو أثناء النزاع المسلح وليس قبله، وفضلاً عن عدم توفر عنصري المكان والزمان لتحقق اختصاص المجلس العسكري، فإن التهمة الموجهة إليه ليست مما يختص بمحاكمته المجلس العسكري. وتفصيل ذلك أن الكونجرس لم يمنح المجلس العسكري الاختصاص إلا لنظر الجرائم الواقعة بالمخالفة لأحكام قانون الحرب. ولا يوجد ما يفيد أن الكونجرس أدرج جريمة المؤامرة ضمن جرائم الحرب. وكما أوضحنا في سابقة كورين أنه في غير أحوال الضرورة المسلحة  لا يكون للحكومة الحق في محاكمة المتهمين أمام المجلس العسكري، وقد أحالت المادة (21) من القانون الموحد للقضاء العسكري في تحديد بعض الأفعال التي يجوز محاكمة مرتكبيها أمام المجلس العسكري إلى القانون العرفي للحرب. ومن هنا فلا الجرائم، ولا العقوبات المقدرة لها محددة من  قبل القانون أو المعاهدات، ومن ثم يتعين أن تكون السابقة التي يستند إليها في هذا التحديد واضحة وغير غامضة. إن القول بغير ذلك سوف يضع في الأيدي العسكرية سلطة التجريم والعقاب على خلاف أحكام القانون. يرى المؤسسون أن الجيش أحد المؤسسات التي لا غنى عنها ولكن من الخطورة بمكان على الحرية أن يطلق لها الحبل على الغارب. إن جمع السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية في يد واحدة هو الاستبداد ذاته.
لقد تم وضع هذه القاعدة في قضية كورين، وهي أن الجرائم التي تنعقد لنظرها المجالس العسكرية هي الجرائم الواقعة ضد قانون الحرب، وهي قاعدة مسلم بها في الولايات المتحدة وفي دول العالم كلها وأن هذا المفهوم لقانون الحرب مسلم به عملياً هنا في الولايات المتحدة وفي الخارج وتم قبوله بشكل عام ونفاذه بموجب المراجع القانونية التي تتناول القانون الدولي بما يجعلها من قبيل مبادئ قانون الحرب المسلم بها والتي أقرها الكونجرس في المادة 15 من  قانون الحرب.
وبالرغم من أن هذا المبدأ كان أقل وضوحاً في قضية ياماشيتا حيث خلص الحكم إلى أنه كان يتعين على هذا القائد أن يسيطر على الفرق العسكرية التي كانت تحت قيادته إعمالاً لنص اتفاقية لاهاي الرابعة لسنة 1907، لقد كانت المسألة المختلف عليها بين قضاة هذه المحكمة أغلبيتهم وأقليتهم ليست ما إذا كان السابقة الواضحة متطلبة لتبرير المحاكمة أمام المجلس العسكري طبقاً لقانون الحرب، وإنما ما إذا كان الدليل النصي والتاريخي يعد بمثابة سابقة واضحة.
إن الحد الأدنى أنه يتعين على الحكومة أن تقيم الدليل الواضح على أن الجريمة المقدم بها المتهم أمام المجلس العسكري هي جريمة ضد قانون الحرب وهو الالتزام الذي لم توف به الحكومة في هذه القضية. إن جريمة التآمر نادراً ما يحاكم مرتكبوها أمام أي مجلس عسكري بموجب قانون الحرب في الولايات المتحدة. كما وأنها لا تظهر في معاهدات جنيف ومعاهدات لاهاي ومعظم معاهدات قانون الحرب. وقد قرر ونثروب أن القانون العرفي الذي يحكم المجالس العسكرية لا يكفي فيه أن يقصد الجاني إلى مخالفة قانون الحرب ولا ارتكاب أعمال مادية لتأكيد هذا القصد ما لم تبلغ هذه الأفعال المادية حد ارتكاب جرائم ضد قانون الحرب ذاته أو أن تشكل أعمالاً مادية تصل إلى حد الشروع، وفي هذا يقول "ينبغي أن ينحصر اختصاص المجالس العسكرية في أحوال ارتكاب الأفعال المادية التي تعد جريمة، أو الشروع فيها وليس مجرد القصد غير المصحوب بأي فعل.
وقد ذكرت الحكومة ثلاثة أدلة على جواز محاكمة حمدان أمام المجلس العسكري عن تهمة التآمر هي:
1- سبق اتهام العملاء النازيين بتهمة التآمر في قضية كويرين.
2- ما  قرره ونثروب أن التآمر جريمة تختص المجالس العسكرية بمحاكمة مرتكبها.
3- عرف تشارلز روسكو هولاند المؤرخ العسكري جريمة التآمر على أنها انتهاك قانون الحرب بقصد تدمير الحياة والممتلكات إضراراً بالعدو "أي أنها جريمة تعد انتهاكاً لقانون الحرب في فترة الحرب الأهلية"
وهذه الحجج في مجموعها تضعف موقف الحكومة ولا تساعده إذ هي لا ترقى إلى المستوى الكافي من الوضوح المطلوب لتبرير تقديم مرتكبيها إلى المحاكمة أمام المجلس العسكري.
فاتهام العملاء النازيين في قضية كويرين بالتآمر غير كاف، ذلك أن المحكمة أحجمت عن الفصل فيما إذا كانت جريمة التآمر هي جريمة من جرائم الحرب من عدمه، هذا فضلاً عن أن جريمة التآمر وحدها ما كانت تستوجب تقديم مرتكبيها أمام المجلس العسكري من عدمه. ومعلوم أنه تم إسناد التهم الآتية إليهم:
1- انتهاك قانون الحرب.
2- مخالفة المادة (81) من قانون الحرب وهي جريمة تقديم المساعدة للعدو أو محاولة تقديم المساعدة أو التخابر لصالحه.
3- ارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة (82) التجسس.
4- التآمر لارتكاب الجرائم المذكورة في البنود (1، 2، 3).
تمسكت الحكومة بأن جريمة التآمر تشكل في ذاتها انتهاكاً لقانون الحرب، وقد اعترض المتهمون بأن جريمة التآمر لا يمكن أن تبقى وحدها في حالة سقوط التهم الأخرى غير أن المحكمة عزفت عن هذا الحل وانتهت إلى الآتي:-
أولاً: - أن التهمة الأولى أكدت بشكل كاف وجود انتهاكات لقانون الحرب إذ أن المتهمين وهم من الأعداء المقاتلين دخلوا أراضي الولايات المتحدة وقت الحرب دون ارتداء زيهم الرسمي بقصد الاعتداء على الأملاك اللازمة لمواصلة الحرب وهو عمل عدائي من أعمال الحرب، وقد كانت المحكمة حريصة في حكمها على بيان الأفعال المادية بشكل واضح دحضاً للإدعاء بأن المخربين لم يرتكبوا بالفعل ولم يحاولوا ارتكاب أي عمل من أعمال السلب أو دخول ميدان الحرب أو منطقة العمليات العسكرية، وبالتالي لم ينتهكوا قانون الحرب، وقالت المحكمة أنهم بالفعل عبروا الخطوط العسكرية والبحرية الدفاعية للولايات المتحدة وتسللوا داخلها مرتدين ملابس مدنية لأهداف عدائية، وبالنظر لتحقق الأهداف العدائية من هذا الدخول فضلاً عن التواجد في أرض الولايات المتحدة وقت الحرب دون الزي العسكري أو أي وسيلة للتعرف عليهم، فإن الجريمة الأولى تكون قد تحققت عناصرها القانونية كاملة.
أما عن التهم الأخرى فقد أوضحت المحكمة أنه بالنظر لتحقق عناصر التهمة الأولى، مما تقوم به جريمة مخالفة قانون الحرب فإنه لا داعي لتحقيق عناصرها ومدى اتفاقها وأحكام الدستور، والملاحظ أنه لم يتم ذكر التهمة الرابعة بتاتاً وهي تهمة التآمر. ويتضح مما سبق أن قضية كويرين تعزز إدعاء حمدان بأن جريمة التآمر لا تعد انتهاكاً لقانون الحرب وأن أساس الإدانة تحقق عناصر جريمة الحرب في التهمة الأولى وعدم تعرض المحكمة لبقية التهم بحيث أنه لو اقتصر الأمر على تهمة التآمر لما توجب إحالة المتهم إلى المجلس العسكري طالما لم يثبت ارتكاب أي عمل عدائي من أعمال الحرب أو حتى محاولة ارتكابه.
يعد هذا القيد منطقياً خصوصاً إذا ما أخذنا في الاعتبار أن من أهم مبررات إنشاء المجلس العسكري قيام الحاجة لإقامة العدالة السريعة وسرعة تنفيذ الأحكام (الإعدام غالباً) ضد المقاتلين الخارجين على أحكام القانون إذا ما تم القبض عليهم في ميدان المعركة، والملاحظ أن المادة (15) تحفظ للقائد العسكري سلطاته في استخدام المجالس العسكرية في ميدان الحرب.
نعتقد أن الجواسيس الألمان لم يكن من الممكن محاكمتهم أمام المحكمة العسكرية لمجرد أنه تم القبض عليهم قبل دخولهم أي معسكر أو حصن أو مبنى عسكري في الولايات المتحدة استناداً إلى ارتكابهم جرائم خارج ميدان القتال، وقد أقرت محكمة كويرين هذا المبدأ عندما وصفت سلطة الرئيس في استخدام المجالس العسكرية طبقاً لحالة مخالفة قانون الحرب بأنها "القبض على هؤلاء الأعداء الذين باعتراضهم ومنعهم جهودنا العسكرية يكونون قد انتهكوا قانون الحرب مما يبرر إخضاعهم لتدابير تأديبية صارمة".
أما هولاند فإنه يعرف التآمر بأنه "اتفاق اثنين أو أكثر على انتهاك قوانين الحرب، وذلك بالاعتداء على النفس أو الممتلكات بمساعدة العدو"، ويفصل في هذه الجريمة ويعاقب عليها المجالس العسكرية.
والملاحظ أن الدعاوى التي أشار إليها هولاند كأمثلة لجريمة التآمر لم تتضمن هذه الجريمة بحسبانها جريمة حرب.
من الواضح أن ونثروب استبعد جريمة التآمر من جرائم الحرب وإنما ذكرها كجريمة جنائية "المؤامرة الجنائية" وهي ضمن الجرائم التي تدخل في اختصاص المجالس العسكرية استثناءً في أوقات الأحكام العرفية ومثال ذلك في أحوال الحرب الأهلية، وتخلص الحكومة من ذلك إلى أن جريمة التآمر كان يحاكم عليها أمام المجالس العسكرية سواء بحسبانها جريمة جنائية أو بحسبانها جريمة حرب.
ومعلوم أن المجالس العسكرية التي انعقدت أثناء الحرب الأهلية بالولايات المتحدة عملت أولاً بالقانون العرفي أو كمحكمة عسكرية حكومية، كما عملت ثانياً كمجلس عسكري يطبق قانون الحرب. وهي بصفة عامة تحاكم مرتكبي الجرائم العسكرية والجرائم العادية على السواء. وكما لاحظ هولاند بحق أنه ليس دائماً ما تجمع الجريمة الواحدة بين كلتا الطبيعتين "جريمة عادية وجريمة حرب"، فالقتل العمد الذي يرتكب بالمخالفة لقانون الحرب هو جريمة حرب.
أما جريمة التآمر عند ونثروب فهي جريمة حرب وجريمة عادية معاً، فهي جريمة مركبة مما يستوجب المثول أمام المجالس العسكرية التي أنشئت أثناء الحرب الأهلية للمحاكمة عن كلا النوعين من الجرائم، ولهذا أكد ونثروب فيما بعد أن الأفعال التنفيذية التي تشكل جرائم حرب هي وحدها التي تخضع للمحاكم العسكرية التي تنعقد لتكون بديلاً عن المحاكم المدنية.
وقد أشار القاضي توماس إلى أن الدليل على أن التآمر يعد انتهاكاً لقانون الحرب سابقة هنري ويرز الذي اتهم أثناء الحرب الأهلية بالتآمر مع آخرين للإضرار وتدمير صحة وحياة الجنود في الخدمة العسكرية في الولايات المتحدة بغرض إضعاف قوة الجيش مما يعد انتهاكاً لقوانين وأعراف الحرب. وقد اتهم ويرز بارتكاب عدد من الأفعال الوحشية ضد ضحاياه من ذلك التعذيب، وحقن السجناء بالسم، واستخدام كلاب متوحشة لتمزيق وتشويه أجساد وأعضاء السجناء مما أدى إلى وفاة العديد منهم.
وقد قرر المحامي العام "هولت" أن السيد/ أر.بي. ويندر" أحد المتهمين لا يجوز إحالته إلى المحاكمة أمام المجلس العسكري لعدم وجود دليل كاف على تورطه شخصياً في هذه الأعمال الوحشية، رغم أن المحكمة أكدت أن الدليل المقدم ضده يؤكد تورطه في المؤامرة على حياة جميع السجناء المحتجزين من قبل المترددين. ومع ذلك لم يتم اتهامه بأداء أعمال مادية تنتهك قوانين الحرب مما يستوجب محاكمته أمامها.
كذلك لا تمثل جريمة التآمر أحد جرائم الحرب في المصادر الدولية إذ لم تحدد أي معاهدة من المعاهدات الكبرى التآمر كجريمة من جرائم الحرب.  حيث أن جريمة التآمر المعترف بها في المحاكم الدولية كجريمة حرب – وهي التي تتداخل في نطاق الجرائم ضد الإنسانية – هي جريمة التآمر لارتكاب جريمة القتل الجماعي والتخطيط المشترك لشن الحرب، وهي جريمة ضد السلم، ويتطلب ارتكابها أن تتم المشاركة الفعلية في "خطة محددة لشن الحرب".
عند محاكمة مجرمي الحرب الرئيسيين أمام المحكمة العسكرية الدولية في نيرمبيرج بتاريخ 14 نوفمبر 1945- أكتوبر 1946، رفضت المحكمة العسكرية الدولية اعتراضات سلطة الاتهام على اعتبار التآمر لارتكاب جرائم حرب يعتبر انتهاكاً لقانون الحرب، وقضت بإدانة الشريك الرئيسي لهتلر بتهمة التآمر لشن الحرب، وعللت المحكمة ذلك بأن المفهوم الأمريكي للتآمر في النظام الأنجلو أمريكي لم يكن جزءاً من الأنظمة القضائية الأوربية، وبالتالي لم يكن جزءاً من قوانين الحرب المعترف بها دولياً وكان من أثر ذلك أن النائب العام في قضية كويرين "فرانسيس بيدل" أعتقد أن القاضي الفرنسي قدم حجة مقنعة تدل أن التآمر لم يكن معروفاً للقانون الدولي.
وخلاصة القول، فإن المصادر التي استندت إليها الحكومة والمستشار توماس للتدليل على أن جريمة التآمر تعد خرقاً لقانون الحرب تشهد على عكس ذلك تماماً. وعجزت الحكومة عن تقديم الدليل على أن جريمة التآمر تدخل في زمرة جرائم الحرب الأمر الذي ينتفي معه اختصاص المجلس العسكري بمحاكمة حمدان لعدم دخول التهمة في اختصاصه.
ولم يقتصر الأمر على الناحية الشكلية فحسب بل عجزت الحكومة كذلك عن تحقيق أهم الشروط لاختصاص المجلس العسكري ألا وهو الضرورة العسكرية، فالمحكمة التي قامت بمحاكمة حمدان لم تعين من قبل قائد عسكري في ميدان المعركة بل من قبل لواء متقاعد لم يتدخل في الصراع القائم بالفعل. فضلاً عن أن خليج جوانتانمو يبتعد عن مسرح العمليات، وأخيراً لم يتهم حمدان بارتكاب أي فعل مادي ألقى القبض عليه متلبساً به في ميدان القتال مما يتطلب تحقق الخبرة العسكرية عند محاكمته أو يستوجب سرعة محاكمته، وإذا صح ان الاتفاق السابق بوقت طويل على وقوع هجمات 11 سبتمبر 2001 والتفويض باستخدام القوة من قبل الكونجرس قد يعتبر جريمة في حق حمدان، فإنه لا يصلح سبباً لتقديم حمدان إلى المجلس العسكري بموجب قانون الحرب. وكذلك لا تعد أي من الأفعال المادية المنسوبة إلى حمدان بناء على هذا الاتفاق جريمة حرب في حد ذاتها، بل ولم يقم الدليل على حدوثها وقت الحرب أو في ميدان المعركة. فضلاً عن انتفاء أي ضرورة ملحة تستوجب سرعة صدور الحكم أو تنفيذه، لما كان ذلك، وكان قد تم القبض على حمدان في نوفمبر 2001 إلا أنه لم يوجه إليه أي اتهام حتى منتصف 2004 فإن هذه الملابسات جميعها لا تخول للمجلس العسكري الذي انشئ بموجب القرار التنفيذي استناداً إلى حكم المادة رقم (21) من القانون الموحد للقضاء العسكري محاكمة هذا الشخص وتوقيع العقوبة عليه.
سادساً
في شرعية إجراءات المجلس
وأياً كانت طبيعة الجريمة المتهم بها حمدان وما إذا كانت جريمة حرب من عدمه، فإن المجلس المختص بمحاكمته يفتقد إلى شروط الشرعية، وتفصيل ذلك أن القانون الموحد للقضاء العسكري يضع شرطاً جوهرياً عند استخدام الرئيس للمجالس العسكرية هو تطبيق هذه المجالس لسائر أحكام ذلك القانون وقانون الحرب العام الأمريكي بالقدر الذي يقبل التطبيق، كما يلتزم بالقواعد الدولية ومنها إتفاقيات جنيف الأربع الموقعة سنة 1949، ومن ثم فإن الأحكام الإجرائية التي قررت الحكومة إتباعها أمام المجلس المنعقد لمحاكمة حمدان تخالف القانون.
(أ)
الإجراءات المتبعة أمام المجلس العسكري
نص القرار رقم (1) سالف الإشارة إليه، والذي جرى تعديله في 31 أغسطس 2005 بعد بدء محاكمة حمدان، على أن يجب أن يكون لكل مجلس يؤسس طبقاً لقرار المجلس العسكري رقم (1) ضابط يرأسه وعلى الأقل ثلاثة أعضاء آخرين من الضباط العاملين. ويختص الضابط الرئيس بحسم المسائل القانونية والأدلة والمسائل الخلافية الأخرى، بينما يناط بالأعضاء إصدار الحكم بالعقوبة إن كان له وجه، ويجوز للمتهم الاستعانة بمحام عسكري يعين له، كما يجوز له توكيل محام مدني على نفقته الخاصة بشرط أن يكون المحامي أمريكي الجنسية، ويحمل تصريحاً أمنياً من الدرجة السرية أو درجة أعلى.
ويجوز للمتهم الحصول على نسخة من التهمة الموجهة إليه بكل من اللغة الإنجليزية ولغته الخاصة – إن كانت مختلفة – ويتمتع بافتراض البراءة، وبعض الحقوق الأخرى التي يتمتع بها كل متهم بجريمة جنائية أمام المحاكم المدنية والعسكرية، بيد أن هذه الحقوق تخضع لقيد صارم هو جواز حرمان المتهم ومحاميه المدني من معرفة الدليل الذي تقرر هيئة المجلس العسكري أو الضابط الرئيس "أن يكون سرياً" وتتضمن معايير السرية حماية المعلومات المصنفة سرية أو القابلة للتصنيف كذلك، والمعلومات التي يحميها القانون ولا يجوز الإطلاع عليها، وقواعد السرية التي تضمن السلامة الجسدية للشهود وكافة المشاركين في الإجراءات أمام المجلس ولو كانوا شهوداً محتملين، كذلك تمتد السرية إلى طرق وأنشطة الاستخبارات وغير ذلك من المصالح المتعلقة بالأمن. "ويجب إطلاع محامي المتهم العسكري على ما يدور في الجلسات السرية، ويجوز بناء على تقدير الضابط الرئيس منعه من الإفصاح عما يدور بشأنها لموكله.
من العجب أيضاً أنه يحق للضابط الرئيس في المجلس المختص بمحاكمة حمدان أن يقبل أي دليل، ويترتب على ذلك أن تكون له حجية في الإثبات وفقاً لمعيار الشخص العادي، وتؤدي هذه المكنة إلى جواز الحصول على الأدلة عن طريق الشائعات أو عن طريق الإكراه، كذلك فإن شهادة الشهود أمام المحكمة وأقوالهم المكتوبة لا تتطلب حلف اليمين، هذا فضلاً عن جواز منع المتهم ومحاميه المدني من الإطلاع على الأدلة التي تعتبر معلومات محمية (وهي المعلومات المصنفة سرية والمعلومات التي يحميها القانون، والمعلومات المتعلقة بمصالح الأمن القومي الأخرى)، ومتى ما خلص الضابط الرئيس إلى أن هذه الأدلة تصلح للإثبات بموجب نص البند (6) من (D) (I)، وأن قبولها دون علم المتهم لن يترتب عليه حرمانه من محاكمة عادلة وسليمة فإن على المحكمة أن تعول عليها، وبالمقابل فإن قرار الضابط الرئيس بأن الدليل المعروض ليس له قيمة إثباتية وفقاً لمعيار الشخص العادي، لا يكون له حجية إذا خالفه رأي أغلبية المحكمة. (1) (D) S6).
وبمجرد تقديم كل الأدلة المقبولة يجب على أعضاء المجلس – عدا الضابط الرئيس- أن يصوتوا على الإدانة، ويكفي موافقة أغلبية الأعضاء للفصل في ثبوت الذنب أو الحكم بأي عقوبة عدا عقوبة الإعدام، أما حكم الإعدام فإنه يستوجب إجماع الأعضاء. ويجوز استئناف هذا الحكم أمام مجلس آخر يشكل من ثلاثة أعضاء من الضباط العسكريين يختارهم وزير الدفاع، ويجب أن تتوفر في أحدهم فقط خبرات قضائية، وليس للمجلس الاستئنافي الاعتداد بأية مخالفة للإجراءات المحددة في قرار المجلس رقم (1) أو أية مخالفة إجرائية أخرى ما دامت لن تؤثر تأثيراً جوهرياً في نتيجة المحاكمة أمام المجلس العسكري، ويخلص المجلس الاستئنافي إلى توصية يقدمها إلى وزير الدفاع الذي يستطيع أن يأمر بإعادة الإجراءات من جديد أو أن يرسل ملف الدعوى للرئيس مصحوباً بتوصياته في القرار النهائي الشامل. ويقوم الرئيس بإصدار القرار النهائي ما لم يفوض الوزير في ذلك، ويجوز له تغيير ما قضى به المجلس أو تخفيف العقوبة.
(ب)
في مناعي حمدان ورد الحكومة عليها
يعترض حمدان على الإجراءات المتبعة أمام المجلس العسكري من وجهين، أحدهما عام والآخر خاص، أما الوجه العام فيتمثل في أن أتباع المجلس إجراءات تختلف عن إجراءات المحاكم العسكرية يسقطه في حمأة مخالفة القانون، أما الاعتراض الخاص فيتمثل في أنه لا يجوز أن يتعرض حمدان إلى حكم إدانة استناداً إلى أدلة لم يرها ولم يسمع بها، وأن الأدلة المقدمة ضده والتي يقبلها المجلس ليس من الضروري أن تخضع لقواعد قبول الدليل المعمول بها أمام المحاكم العسكرية.
وقد ردت الحكومة على هذه المناعي بالردود الآتية:-
(1) أن مبدأ الامتناع المطبق في قضية كانسيلمان يحول دون النظر في القواعد الإجرائية قبل التنفيذ.
(2) أن بوسع حمدان أن يتقدم بهذا الطعن بعد صدور الحكم النهائي ضده استناداً إلى أحكام قانون معاملة المحتجزين. (DTA)
(3) أنه لا يوجد سبب لافتراض أن المحاكمة لن تدار يحسن نية ووفقاً لأحكام القانون قبل بدئها.
ولقد سبق الفصل في مبدأ امتناع القضاء المدني لحين فصل القضاء العسكري في الجزء الثالث، أما عن النقطتين الثانية والثالثة من دفاع الحكومة فهما غير سليمتين للسببين التاليين:-
أولاً: - لأن البادي أن حمدان لن يخضع لعقوبة الإعدام وقد يحكم عليه بالسجن أقل من عشرة سنوات ومن ثم لن يكون له الحق في الطعن على الحكم النهائي للمجلس امام المحكمة الفيدرالية بناء على قانون معاملة المحتجزين.
ثانياً: أن هناك أسباب لافتراض أن الإجراءات التي ستتخذ في مواجهة حمدان سوف تتضمن انتهاكاً للقانون، بدليل أنه سيستبعد من حضور محاكمته وهو القرار الذي اتخذ بالفعل، وفي ظل هذه الظروف فمن الملائم إعادة النظر في الإجراءات قبل أن يصبح الحكم نهائياً، وتترك لسلطة الرئيس التقديرية التصديق على الحكم بموجب نصوص قانون معاملة المحتجزين.
وننتقل الآن لبحث أسباب الطعن على الإجراءات المقدم من حمدان.
(ج)
أسباب الطعن الإجرائية
لقد كانت الإجراءات التي تحكم المجلس العسكري هي نفسها التي تحكم المحاكم العسكرية ويرجع ذلك لسببين أولهما لأن الاختلاف بين المجالس العسكرية والمحاكم العسكرية هو مجرد اختلاف في الاختصاص، وثانيهما لمنع الإساءة للمتقاضين ولضمان تحقيق العدالة في ظل ظروف الحرب.
وآية ذلك القرار رقم (1) الذي صدر أثناء الحرب الأهلية في الولايات المتحدة والذي نص على أن تشكل المجالس العسكرية على نحو مناظر للمحاكم العسكرية وتسير إجراءات المحاكمة أمامها طبقاً لنفس القواعد العامة المتبعة أمام المحاكم العسكرية لمنع التجاوزات التي قد تحدث إذا لم يراع ذلك"  وهو الأمر الذي تؤكده تقارير المعلقين من عهد وينثروب إلى عهد الجنرال لجرودر الذي وضع مسودة المادة (15) من قانون الحرب والذي اعتبرت آراؤه آمرة من قبل هذه المحكمة.
وقد نص على مبدأ المساواة في الإجراءات بين المجالس والمحاكم العسكرية كأحد الأسس الجوهرية للمحاكمة، كما حدث مؤخراً في الحروب الكورية والفيتنامية حتى ولو كانت هذه المجالس لم تعمل بالفعل.
ولم يرد على هذه القاعدة إلا استثناء واحد في قضية ياماشيتا، فقد كانت الإجراءات وقواعد الحصول على الأدلة المستخدمة لمحاكمة الجنرال ياماشيتا – هو القائد الياباني الذي كان يحكم الفلبين قرب نهاية الحرب العالمية الثانية وارتكبت القوات التابعة له فظائع جرى محاكمته عنها – تخالف الإجراءات المتبعة أمام المحاكم العسكرية، ورغم ذلك فقد تم التقليل من حجية هذه السابقة بصورة خطيرة مع التطورات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
كان (ياماشيتا) يشغل منصب القائد العام لمجموعة الجيش الإمبراطوري – الجيش الياباني – الرابع عشر، وكانت قواته تسيطر على جزر الفلبين اعتباراً من أواخر عام 1944 حتى سبتمبر 1945. وفي 3 سبتمبر 1945 استسلم ياماشيتا بعد أن بسطت القوات الأمريكية سيطرتها على الفلبين. وبعد مرور ثلاثة أسابيع اتهم بعدة اتهامات تتعلق بانتهاكه لقانون الحرب، وبعد ذلك بأسابيع قليلة مثل أمام المجلس العسكري الذي عقد في الفلبين وأنكر التهمة، واستمرت محاكمته لمدة شهرين وفي 7 ديسمبر 1945 أدين ياماشيتا وقضى عليه  بالإعدام شنقاً. وقد تقدم بتظلم إلى المحكمة العليا رفضته شكلاً ولم تعطه الحق في الالتجاء إلى القضاء.
وقد شهدت محاكمة ياماشيتا مخالفات عدة للإجراءات وقواعد الحصول على الأدلة المستخدمة أثناء محاكمته، الأمر الذي انتقده طويلاً وبشدة – على غير المعتاد – اثنان من أعضاء تلك المحكمة، بالنظر لإصدار حكم الإدانة دون إتباع أي من طرق التوثيق المعتادة.
ورغم هذه الاعتراضات لم تبحث الأغلبية الأسباب الجوهرية للطعون الإجرائية الخاصة المقدمة من ياماشيتا لأنها خلصت إلى أنه غير مؤهل لأي حماية إجرائية بموجب الأحكام الخاصة بالحرب (وخاصة تلك المنصوص عليها في المادة 38، والتي أصبحت المادة 36 من القانون الموحد للقضاء العسكري) أو اتفاقية جنيف لعام 1929، واستندت المحكمة إلى أن ياماشيتا لم يكن ممن تنطبق عليهم القواعد الخاصة بالحرب بموجب نص المادة 2 من القانون الموحد للقضاء العسكري. إذ أنه لم يكن أسير حرب ممن يستفيدون من الحماية المقررة بهذه المعاهدة.
أدت الانتقادات التي أعقبت محاكمة الجنرال ياماشيتا إلى توسيع الفئات الخاضعة للقانون الموحد للقضاء العسكري لتشمل المتهمين في مركز ياماشيتا (وحمدان) كذلك توسعت اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 في صور الحماية المكفولة لأسرى الحرب لتشمل الأفراد الذين يحاكمون عن جرائم ارتكبت قبل إلقاء القبض عليهم، وبذلك يكون أشهر استثناء قضائي لمبدأ المساواة قد تجرد من حجيته كسابقة قانونية.
ولا يعني ذلك أن مبدأ المساواة يفتقر إلى المرونة، وهو لا يمنع اختلاف الإجراءات المتخذة أمام المجالس العسكرية عن تلك المتبعة أمام المحاكم العسكرية إلا أنه يجب قصر هذا الاختلاف على أحوال الضرورة الملجئة. وهو الفهم الذي أبرزه نص المادة 36 من القانون الموحد للقضاء العسكري والذي جرى نصه على أن:-
(أ) يجوز للرئيس أن يصدر لوائح تحدد الإجراءات – بما في ذلك طرق الإثبات- في الدعاوى المنظورة أمام المحاكم العسكرية، ومحاكم التحقيق الخاصة، والمجالس العسكرية، وأية محاكم عسكرية أخرى، ويجب أن تطبق هذه اللوائح مبادئ القانون وقواعد الحصول على الأدلة المعترف بها بصيغة عامة في محاكمات الدعاوى الجنائية أمام محاكم الولايات المتحدة، كما لا يجوز كذلك أن تخالف أحكام هذا الفصل.
(ب) يجب مراعاة المساواة في جميع القواعد واللوائح التي توضع بموجب هذه المادة قدر الإمكان وأن يبلغ بها الكونجرس.
تضع المادة 36 قيدين على سلطة الرئيس عند إصدار القواعد الإجرائية في المحاكم والمجالس العسكرية على حد سواء: أولاً:- ألا تتعارض القاعدة الإجرائية مع القانون الموحد للقضاء العسكري مهما كانت عملية وقابلة للتطبيق. ثانياً:- يجب أن تكون القواعد المطبقة أمام المحاكم العسكرية هي نفسها المطبقة في المجالس العسكرية ما لم يثبت أن المساواة بينهما غير ممكنة من الناحية العملية.
ولقد ادعى حمدان أن قرار المجلس رقم (1) يخالف كلاً القيدين، إذ أن الإجراءات المنصوص عليها فيه تتعارض مع القانون الموحد للقضاء العسكري المطبق على القضاء العسكري دون مبرر، ومن بين المخالفات التي حددها حمدان ما نص عليه البند (6) من  قرار المجلس الذي يسمح باستبعاد حضور المتهم وحرمانه من الإطلاع على الأدلة في ظروف معينة خلافاً لما نص عليه القانون الموحد بأن "جميع الإجراءات عدا إجراءات التصويت على الحكم والمداولات يجب أن تكون جزءاً من ملف الدعوى وأن تتم في وجود المتهم، كما نعى حمدان على هذا القرار كذلك أنه لا يعتد بالقواعد المتبعة بشأن شرعية الحصول على الأدلة أمام المحاكم العسكرية.
وجاء رد الحكومة من ثلاث نقاط أولاً إن مواد القانون الموحد للقضاء العسكري البالغ عددها (158 مادة) هي التي تشير إشارة واضحة إلى المجالس العسكرية، كما أن قرار المجلس رقم (1) لم ينص على إجراء يخالف نصوص هذه المواد التسع، ثانياً:- أن المجالس العسكرية تصبح غير مفيدة إذا أصبح الرئيس عاجزاً أمام نصوص القانون الموحد للقضاء العسكري المطبق على المحاكم العسكرية عن بلوغ الغرض من إنشائها. ثالثاً:- أن طبيعة الإرهاب الدولي ووجود خطورة على سلامة الولايات المتحدة يجعل من غير الممكن تطبيق مبادئ القانون وضمانات الحصول على الأدلة المشروعة على النحو المعمول به في محاكم الولايات المتحدة، وترى الحكومة أن قرار 13 نوفمبر [البند 1 (و)] يقدم المبرر الكافي لأي مخالفة تقع بشأن الإجراءات المتبعة أمام اللجان.
وترى المحكمة رجحان أدلة حمدان، وذلك لأن قرار الرئيس لا يعد مبرراً كافياً للاختلاف في الإجراءات بين المحاكم والمجالس العسكرية، وذلك دون الخوض في تفاصيل قرار المجلس رقم (1). وقد اشترط البند الفرعي (أ) من القانون الموحد للقضاء العسكري أن تكون القواعد الإجرائية التي يصدرها الرئيس للمحاكم والمجالس العسكرية والمجالس البلدية متفقة مع القواعد الإجرائية المتبعة في المادة 35 من قانون المحاكم "طالما كان ذلك ممكناً من الناحية العملية". لما كان ذلك، وكان البند الفرعي (ب) تطلب توحيد الإجراءات المتبعة أمام المحاكم والمجالس العسكرية ومحاكم رؤساء مجالس البلدية سواء اتفقت أم لم تتفق مع القواعد الفيدرالية في الحصول على الأدلة، ومن ثم فإن مؤدى النص الأخير وجوب تطبيق القواعد المنصوص عليها أمام المحاكم العسكرية على المجالس العسكرية ما لم يتعذر ذلك.
وخلافاً لذلك قرر الرئيس بموجب نص البند الفرعي (أ) أنه لا يمكن تطبيق قواعد ومبادئ القانون التي تحكم محاكمات الدعاوى الجنائية في محاكم الولايات المتحدة المدنية على المجلس الذي يحاكم حمدان. هذا والملاحظ أن الرئيس – وعلى فرض صحة قراره – لم يصدر قراراً رسمياً يقدم أسباباً لتعذر تطبيق قواعد المحاكم العسكرية، ومن ثم فإنه بفرض تحقق الشروط التي نص عليها البند (ب) فإنها غير متحققة في قضية حمدان.
ولا يوجد في ملف الدعوى الماثلة ما يفيد عدم إمكانية تطبيق قواعد المحاكم العسكرية عليها، فعلى سبيل المثال لا يوجد ما يفيد صعوبة توفير الأدلة الصحيحة أو الشهادات المسبوقة بحلف اليمين أو صعوبة تطبيق المبادئ المعتادة في قبول الأدلة المشروعة. بيد أن الرئيس لم يستند من أجل استبعاد هذه الأدلة إلا إلى خطر الإرهاب، ودون استهانة بهذا الخطر- فإنه من غير الواضح لماذا تتطلب محاكمة حمدان الاختلاف في القواعد المنظمة للمحاكمة عن تلك المعمول بها أمام المحاكم العسكرية.
إن عدم وجود أي دليل على توفر مبرر لهذه المخالفة، ومع ذلك التمسك بعدم تطبيق واحدة من أهم ضمانات المحاكمة، وهي حضور المتهم جلسات المحاكمة وهو، أمر لا يمكن التغاضي عنه بهذه السهولة استناداً إلى عبارة "قابل للتطبيق".
وفي ظل هذه المقدمات فإن الواجب تطبيق القواعد المعمول بها في المحاكم العسكرية، ومما لا شك فيه أن قرار المجلس رقم (1) يخالف هذه القواعد من عدة نواحي مهمة وينتهك البند الفرعي رقم (ب).
إن دفاع الحكومة بأن الالتزام بقواعد المحاكم العسكرية يفرض عبئاً ثقيلاً لا مبرر له ينطوي على تجاهل صريح لنص البند الفرعي (ب) وإساءة فهم للغرض من المجالس العسكرية وتاريخها، فالمجالس العسكرية لم تنشأ عن رغبة في إقامة العدالة بسرعة أكبر مما توفره المحاكم العسكرية، بل نشأت لتستخدم في الأحوال التي ينعدم فيها اختصاص المحاكم العسكرية سواء بالنظر لشخص المتهم أو التهمة المنسوبة إليه، وبالتالي فالضرورة هي التي أعطت المجالس العسكرية شرعيتها ولكنها لم تسلبها ضماناتها. وهذا الأصل التاريخي هو الذي يبرر سبب تطبيق الأحكام الجزائية للمحاكم العسكرية على المجالس العسكرية وقد تتداخل الآن الاختصاصات بين المجالس والمحاكم العسكرية، ولكن ذلك لا يقلل من قيمة هذا الأصل التاريخي في تفسير هذا الأمر.
والخلاصة فإن المادة (21) لم تحول المجالس العسكرية من محكمة يلجأ إليها في أحوال الضرورة إلى أداة أكثر طواعية لإصدار الأحكام. وأن المادة 36 تحقق توازناً دقيقاً بين الالتزام بتوحيد الإجراءات بين المحاكم العسكرية والمجالس العسكرية من جهة وبين الحاجة إلى التكيف مع الضرورات التي تنشأ أحياناً في ميدان المعركة. ونظراً لعدم الالتزام بأحكام هذه المادة فإن القواعد الإجرائية المحددة لمحاكمة حمدان تكون غير شرعية.
(د)
في سريان معاهدة جنيف الثالثة لسنة 1949 على المجلس الذي يحاكم حمدان
تنتهك الإجراءات المتبعة في محاكمة حمدان إتفاقيات جنيف، وقد رفضت محكمة الاستئناف طلب حمدان بتطبيقها مستندة في ذلك إلى أسباب ثلاثة (1) أن اتفاقيات جنيف غير نافذة بذاتها ولم توضع موضع التنفيذ أمام سلطات القضاء. (2) أن حمدان لا يحق له الاستفادة من أحكامها. (3) وحتى لو صح تطبيقها عليه، فإن على المحاكم المدنية الامتناع عن ذلك بالنظر لاختصاص المجلس العسكري بذلك (مبدأ الامتناع).
تعتبر قاعدة الامتناع التي طبقت في قضية كانسيلمان غير واجبة التطبيق هنا للأسباب الخمسة الآتية:-
(1) استندت محكمة الاستئناف إلى قضية جونسون ضد ايسنتريجير للتقرير بأن حمدان لا يحق له الاستفادة من اتفاقية جنيف للإفلات من خطة الحكومة المقررة وفقاً للقرار رقم (1)، وتتحصل أحداث هذه القضية في أن تسعة مواطنين ألمان طعنوا على حكم الإدانة الصادر ضدهم عام 1945 عن جرائم حرب من قبل محكمة عسكرية انعقدت في ناتكنج بالصين، وقد قضى بحبسهم في ألمانيا المحتلة. وقد احتج الطاعنون باتفاقية جنيف لعام 1929 التي أوجبت تطبيق بعض الإجراءات عليهم لحرمانهم من تطبيق الإجراءات المتبعة لمحاكمة الجنود الأمريكيين ممن هم في مثل درجتهم العسكرية دون تحديد لهذه الإجراءات، وهو الأمر الذي تضحى معه إجراءات محاكمتهم غير شرعية. وقد رفضت المحكمة العليا هذا الطعن موضوعاً لفشل الطاعنين في تحديد التباين في الإجراءات بين المجلس العسكري الذي حاكمهم، والمجلس الذي يحاكم الجنود في القوات المسلحة الأمريكية من ذات الرتبة. ووجه إضرار ذلك بهم. كما ذكرت المحكمة العليا أنه لا يمكنهم المطالبة بأي نوع من الحماية بموجب اتفاقية جنيف لعام 1929 أثناء المحاكمة إذ أن الجرائم المنسوبة إليهم وقعت قبل احتجازهم، وقد تضمن الحكم هامشاً ورد فيه أن الحقوق المقررة بموجب معاهدة جنيف الموقعة في 27 يوليو 1929 والتي انضم إليها الراي الألماني والمتعلقة بحماية الأسرى يقع مسؤولية تطبيقها على مطالبة السلطة السياسية لدولهم بتطبيق أحكامها عليهم.
وقد ركنت محكمة الاستئناف إلى هذا الهامش مقررة أن نصوص اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949م. لا تعطي لحمدان الحق في تطبيق أحكامها عليه.
وأياً كان الرأي في صحة هذه القاعدة، فإن هذه الحجة مردودة بأن الحقوق الممنوحة لحمدان تجد مصدرها في قانون الحرب الذي لا تنازع الحكومة في وجوب تطبيقه عليه.
(2) وقد خلصت محكمة الاستئناف إلى أنه ليس بوسع حمدان تطبيق اتفاقيات جنيف نهائياً، إذ أن حمدان قبض عليه في أعقاب حرب الولايات المتحدة ضد القاعدة ومعلوم أن منظمة القاعدة لم توقع على هذه الاتفاقيات خلافاً لأفغانستان وطالبان اللذان وقعا على هذه الاتفاقيات. والمعلوم كذلك أن المادة 2 من اتفاقية جنيف لعام 1949 تستوجب تطبيقها على أسرى الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح بين طرفين موقعين عليها حتى ولو لم يعترف أحدهما بحالة الحرب. ومن ثم خلص الحكم الاستئنافي لاستبعاد تطبيق الاتفاقيات على حمدان لأنه ليس تابعاً لدولة موقعة ولم تعلن الحرب صراحة من قبل القاعدة.
وتجيب المحكمة العليا على ذلك بأن نص المادة 3 المشتركة من معاهدة جنيف الثالثة يستوجب تطبيق أحكام المعاهدة حتى ولو كان النزاع المسلح ليس بين الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات، فتنص المادة 3 المشتركة بين المعاهدات الأربع على أن:-
"في حالة قيام نزاع مسلح له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام الآتية:
الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز.... يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر. ولهذا الغرض يحظر الأفعال الآتية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين (أ، ب، ج،
"د- إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القضائية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة".
(3) وقد استندت محكمة الاستئناف في استبعاد أحكام هذه المادة (المادة 3 المشتركة) إلى أن النزاع مع القاعدة هو نزاع دولي في حين أن المادة (3) تنطبق على الأنزعة غير الدولية، وهي حجة خاطئة لأن نص المادة (2) تلزم الدول الموقعة بشروط الاتفاقية في مواجهة الدول غير الموقعة الأمر الذي يعني أن نصوص هذه الاتفاقية تلزم الدول الموقعة سواء كان النزاع دولياً أو محلياً، ومن ثم فإن نطاق المادة (3) يتسع لتأمين الحد الأدنى من الحماية للمتمردين المتورطين في أحد هذه الأنزعة ذات الطابع غير الدولي أي الحروب الأهلية والنزاعات الاستعمارية أو الحروب الدينية"، وقد أدى توسيع عمل هذه المادة إلى تقليص الحقوق التي تمنحها النصوص السابقة عليها. ومن ثم يمكن تطبيق المادة 3 هنا ويحاكم حمدان أمام محكمة معينة بالطرق المعتادة وتقدم له جميع الضمانات القضائية التي لا غنى عنها للشعوب المتحضرة. وإذا كانت المادة (3) من معاهدة جنيف سكتت عن تحديد مدلول المحكمة المشكلة تشكيلاً قانونياً، فإن مصادر أخرى تولت تعريفها منها التعليق المرفق بأحدى نصوص اتفاقية جنيف الرابعة والذي يعرف مصطلح المشكلة على نحو صحيح بأنه "المشكلة بالطرق المعتادة" كما عرفها أحد أبحاث لجنة الصليب الأحمر بأنها المحكمة التي تأسست ونظمت وفقاً للقوانين والإجراءات المعمول بها في بلد ما.
وقد قرر القاضي كيندي أن المحاكم العسكرية المشكلة تشكيلاً قانونياً هي في النظام الأمريكي المحاكم المنشأة بموجب تشريعات الكونجرس. ويمكن إنشاء المجالس العسكرية بالطرق العادية ولكن وفقاً للمعايير المقررة في نظام العدالة العسكرية الخاصة، وإن كانت الحكومة استندت إلى أحكام الضرورة لتبرير النظام الخاص لإجراءات المجلس العسكري الذي يحاكم حمدان، فقد سبق وأورينا أن هذه الضرورة لم تظهر عناصرها في القضية الماثلة.
(4) إن النظام العادي للإجراءات يستوجب منح الضمانات القضائية التي لا غنى عنها للشعوب المتمدنة، وهذه العبارة وإن كانت لم تعرف في اتفاقية جنيف الأولى سنة 1947 – التي لم توقع عليها الولايات المتحدة – إلا أنها تتضمن حق المتهم في حضور محاكمته وتتفق أغلبية المحكمة مع المستشار كيندي على أن الإجراءات التي اتخذت ضد حمدان تخالف الإجراءات المقررة في المحاكم العسكرية بصورة غير مبررة عملياً ومن ثم فقد فشلت في تحقيق الضمانات الضرورية للمحاكمة، وتضيف أغلبية المحكمة إلى ذلك أن عدداً من المبادئ المقررة في اتفاقيات جنيف تعتبر جزءاً من المبادئ المقررة في القانون الدولي العرفي وهو قانون ساري ولا يقبل الجدل، ويستوجب حضور المتهم محاكمته، وإذا كان للحكومة مصلحة ضرورية في اخفاء بعض المعلومات عن حمدان فإنه يجب رغم ذلك إطلاعه على جميع المعلومات المستخدمة في إدانته طالما لم يوجد نص تشريعي يقضي بخلاف ذلك.
(5) تتيح المادة 3 المشتركة درجة كبيرة من المرونة في محاكمة الأشخاص المقبوض عليهم أثناء النزاع المسلح، ورغم مرونة الشروط المتطلبة لمحاكمتهم فإن هذه الشروط غير متوفرة في المجلس الذي أنشأه الرئيس لمحاكمة حمدان.
سابعاً: الخلاصة
على فرض صحة الاتهامات الموجهة إلى حمدان، وصحة مؤداها، فإن خطورة شخص حمدان واعتناقه بعض المعتقدات التي يترتب عليها أضراراً كبيرة بالمدنيين الأبرياء في الولايات المتحدة وقد تؤدي إلى موتهم، وبفرض أنه سوف يتصرف انطلاقاً من هذه المعتقدات إذا ما سنحت له الفرصة لذلك، فإن مؤدى ذلك جميعه جواز اعتقاله لمنع وقوع هذا الضرر، ولكن إذا جرى محاكمته وعقابه، فهنا يجب أن يخضع إلى القواعد القانونية الحاكمة لهذه المحاكمة.
لذلـــك
حكمت المحكمة العليا بإلغاء حكم محكمة الاستئناف وإعادة الإجراءات من جديد.